بعد تقدم التكنولوجيا وانتشارها في جميع أنحاء العالم، أصبح من الصعب تصور الحياة دونها، وكأنها الأوكسجين في عصرنا الحالي. ومع هذا التقدم، ظهرت العديد من المشاكل، مثل إدمان مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الرقمية، التي أسست لحركة فردانية غير مسبوقة في الوطن العربي. فقد أصبحت شعارات “أنا وما بعدي الطوفان” هي السائدة، مما جعل أهداف الإنسان تتغير بشكل كبير. غزت هذه الظاهرة الوطن العربي والمجتمع المسلم بشكل خاص، قادمة من الغرب، من أمريكا وأوروبا.

إن تمييع الفرد لمفهوم الحاجة إلى الآخرين هو فكرة تساهم في ترسيخ النرجسية، وتوفر التربة الصالحة لانتشارها. ومن ثم يظهر أفراد مشوهون يعتقدون أن وجودهم في المجتمع هو سبب فشلهم.

الفردانية هي قاتل سفاح يقتل أسس المجتمع، خاصة أحد الأعمدة الأساسية له: التعاون.

إن الكتب والفيديوهات التي تتحدث عن أنك قادر على تغيير العالم بمفردك ما هي إلا مواد تجارية تهدف إلى دغدغة الجانب المؤلم من حياتك.

من أكثر الأفكار المزعجة وغير المنطقية هي تلك التي يروج لها بعض المشاهير أو الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي. هدفهم الوحيد هو جعلك تبدأ عملك الخاص بكلمات سحرية مثل: “أنت لا تستحق أن تكون موظفًا” أو “يا شباب، قوموا بمشاريعكم الخاصة، الوظيفة عبودية”.

لماذا تروج مثل هذه الأفكار؟ وهي غير قابلة للتطبيق، وإذا تم تطبيقها، فإنها ستقوم على الفردانية التي يعتقدها الشخص وليس على مهاراته.

من الذي سيقوم بتشغيل الشركات إذا كان الجميع يؤمن بأن الوظيفة عبودية؟ في النهاية، أصحاب الشركات سيكون لديهم موظفون يعملون لديهم. هؤلاء المشاهير الذين يروجون لهذه الفكرة هم أنفسهم يستعبدون الناس حسب منطقهم.

إن بناء الشركات لا يعتمد فقط على مشاعر فردانية وأحلام، بل هناك مهارات وخبرة وتعب طويل. العديد من المصادر تشير إلى أن أصحاب العمل يتعبون ويعملون أكثر من الموظفين.

إذا قام شخص بإنشاء شركته الخاصة، فمن سيعمل في الشركة بدلاً من الموظفين؟ العمل ليس عبودية، بل عبادة. كما ورد في الحديث: “المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف”، أي أن المؤمن الذي يعمل هو أفضل من الذي لا يعمل ويعتمد على سؤال الناس.

من الأشياء الغريبة التي شاهدتها هي ظهور أطفال على منصات التواصل الاجتماعي يتحدثون بأسلوب استعلائي ويقولون: “سأصنع شركتي الخاصة…” وغير ذلك. لست ضد أن يكون الشخص رائد أعمال في المستقبل، لكنني ضد الطريقة والأسلوب، وضد الأشخاص الذين يروجون لفكرة “اصنع شركتك لترتاح من العبودية”.

يجب أن ننتبه إلى ألا نكون فريسة للفردانية، وألا نصدق كل ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مسلم به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *